عاد الجدل البيئي إلى الواجهة في ولاية تيرس الزمور، أقصى شمال شرقي موريتانيا، حين أوقف الأمن لعدة ساعات محتجين في مدينة ازويرات، أمس الأحد، كانوا يتظاهرون أمام مباني الولاية رفضاً لإقامة مصانع معالجة مخلفات التعدين بمواد كيماوية، قال المحتجون إن من ضمنها مادة «السيانيد» السامة.
وقال مراسل «صحراء ميديا» في المدينة إن الأمن استخدم القوة لتفريق المحتجين، بحجة «المشاركة في نشاط غير مرخص»، وأوقف عدداً منهم لعدة ساعات.
وأضاف المراسل أن أحد المحتجين يوجد في المجمع الصحي التابع للشركة الوطنية للصناعة والمناجم «سنيم»، حيث خضع لفحوصات أثبتت عدم تعرضه لأي كسور، إلا أنه يشعر بآلام حادة في الظهر، وفق مصادر طبية.
وتداول ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي صوراً قالوا إنها لآثار الضرب الذي تعرض له المحتجون خلال تفريق الشرطة لهم، وتفاعل الموريتانيون على نطاق واسع مع الصور.
وينتمي المحتجون وأغلبهم من شباب مدينة ازويرات، إلى «حراك بيئتي في خطر»، وهو حراك بيئي يرفض إقامة أي مصانع تستخدم مادة «السيانيد» في ولاية تيرس الزمور، ويحظون بدعم فئات من سكان الولاية.
وأصدر الحراك يوم السبت الماضي، إيجازاً صحفياً يدعو فيه سكان مقاطعات تيرس الزمور الثلاث (ازويرات، افديرك، بير أم اغرين)، إلى «وقفة احتجاجية متزامنة رفضاً لاستخدام السيانيد»، وهي الوقفة التي تدخل الأمن لتفريقها.
القضية بدأت عندما رخصت السلطات الموريتانية، أكتوبر الماضي، لعدة شركات تستخدم مادة «السيانيد» في معالجة الحجارة المشبعة بالذهب، في إطار تطوير الاستثمار في قطاع «التنقيب الأهلي عن الذهب»، وكانت هذه الشركات ستقيم منشئاتها في منطقة (اكليب اجراد)، على بعد 110 كيلومترات إلى الشمال الشرقي من مدينة ازويرات.
وقد تسبب هذا القرار في حراك رافض تصدرته عدة تشكيلات أهلية، منها من يرفض فكرة السماح باستخدام «السيانيد» في تيرس الزمور، بينما يكتفي آخرون برفض أن تكون هذه الشركات قريبة من مدينة ازويرات.
ولكن الأمور بدأت تنفرج عندما زار الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني مدينة ازويرات، نهاية أكتوبر الماضي، إذ أعلن أن الدولة لن تقدم على أي عمل يمكن أن يؤثر على صحة المواطنين أو يضر بالبيئة، وأكد أن أي قرار بهذا الخصوص سيتم بالتشاور مع السكان.
وعلى أساس هذا الالتزام، نظمت شركة «معادن موريتانيا» في مدينة ازويرات، يوم 22 نوفمبر الجاري، أياما تشاورية شارك فيها ممثلون عن السكان والمجتمع المدني وأئمة المساجد، وكان من بين الحاضرين ممثلون عن «حراك بيئتي في خطر» و«الحراك المدني من أجل المحافظة على البيئة»، وهما أبرز حراكين بيئيين في المدينة.
استمر التشاور ليومين، أعلنت خلاله شركة «معادن موريتانيا» التخلي عن استخدام مادة «السيانيد» السامة، وأن الموقع الذي ستقام فيه الشركات، سيتم بالتنسيق مع المشاركين في الحوار، ودعتهم إلى جولة استطلاعية لاختيار مكان ملائم لتركيب المصانع، وهنا انسحب «حراك بيئتي في خطر»، ورفض المشاركة في الجولة لأنه يعارض بشكل مبدئي إقامة المصانع.
زار المشاركون في الجولة أربعة مواقع مختلفة تقع إلى الشرق من مدينة ازويرات: الأولى عند الكيلومتر 110 من ازويرات، والثاني عند الكولومتر 180، والثالث عند الكيلومتر 220، والرابع عند الكيلومتر 400.
عرضت المواقع الأربعة لتصويت شارك فيه 30 مندوباً أهلياً، صوت 24 منهم لصالح الموقع الثاني الذي يقع على بعد 180 كيلومتراً إلى الشرق من ازويرات، ولكن «الحراك المدني من أجل المحافظة على البيئة» تحفظ على التصويت طالباً منحه فرصة للعودة إلى منتسبيه.
ومع نهاية التشاور والشروع في تجهيز الموقع الثاني واعتماده رسمياً، بدأ «حراك بيئتي في خطر» يخطط للاحتجاج أمام الولاية، ودعا سكان الولاية إلى الخروج في وقفة احتجاجية متزامنة، معتبراً أن «مستقبلنا وصحتنا وصحة أجيالنا مرهونة بإنشاء هذه المصانع».
وخلال الوقفة الاحتجاجية التي نظمت صباح أمس الأحد، تدخل الأمن واستخدم القوة لتفريق المشاركين فيها، وذلك بحجة أنها «غير مرخصة»، كما أوقف عدداً من المحتجين قبل أن يفرج عنهم في المساء.