كان من طينة خاصة من السياسيين ورجال الدولة، نادرا ما عرفتهم هذه البلاد. كان يترفع عن المهاترات وسوء الظن وعن المستهجن من القول والفعل، لم يكن يعتبر السياسة من جنس المخاتلة والمراوغة وتزييف الحقائق، بل كان يراها خدمة للناس وإعلاء للحق وقولا للحقيقة.
احتفظ بأخلاق الصديقين في عرين لا فضائل فيه ولا شمائل، فظن فيه البعض السذاجة والتغفيل وهو منهما براء، لكنه رفض انفصام الشخصية وحرص على أن يبقى كما كان دوما في سلامة قلبه وصفاء ضميره لا تغيره مواقع السلطة ولا يغره بريقها الخادع.
كان رمز أمل طال انتظاره وعنوان مرحلة مشبعة بالآمال والطموحات الكبرى لهذه البلاد التي عرفت عقودا مريرة من اليأس والضياع.. وسرعان ما انقشع الأمل وضاعت الجذوة، ودار الزمن الغادر دورته..
تآمرت عليه وجوه من مشارب وأصقاع شتى تتحمل مسؤولية وأد الحلم الديمقراطي النحيل في هذه البلاد، أقصي من الموقع الذي أوصلته إليه أصوات الناس وأدخل البيوت المظلمة وظل خلف الأبواب الموصدة في كامل إيمانه بربه، مطمئن القلب، منير البصيرة، لا يحمل غلا لأحد، ولم يواجه الأراجيف الظالمة إلا بابتسامة العظماء وصدق الصديقين ونبل الكرام البررة.
قبل دون تردد أن يخرج من الميدان راضيا مرضيا لإخراج البلاد من وضع استثنائي تسبب فيه غيره، ولم يكن يريد لنفسه شيئا من متاع الدنيا وغرورها، بل اختار المنفى في قريته الوديعة، في حلقات الذكر ومع قوم يدعون ربهم بالغداة والعشي.. وكان يرى في متعة هذا المنفى السعادة القصوى التي يتوهم ضعاف العقول وقصيرو النظر أنها تنال بمواقع السلطة وكنوز المال..
كان سيدي من طينة القادة العظام في تاريخنا الإسلامي الذين اختاروا منطق الشهادة والسمو على ألاعيب السياسة التي أصبحت فنا احترافيا يتقنه الوصوليون المراوغون وأن توهم فيهم الناس الدهاء والحكمة.. كان وهو المشهود له بالذكاء ورجاحة العقل يدرك ما يعرفه الأغبياء من مصاعب وتحديات تواجه من يجلس على أريك الحكم في هذه البلاد، لكنه اختار أن لا يضحي بسمو أخلاقه وصدق إيمانه من أجل سلطة لم يعمه بريقها ولم يخدعه ألقها.
رحم الله سيدي ولد الشيخ عبد الله.. لقد كان الضمير الحي لهذه البلاد في زمن المحنة والأمل الذي أضعناه وأي فتى أضعنا..